اللاعبون الموريتانيون شغف بالرياضة رغم غياب التحفيز

بعد يوم شاق تخللته تدريبات رياضية مكثفة يعود عثمان ولد الشيخ إلى منزله متوسدا أحلامه بالتعاقد مع أحد النوادي التي تنشط في المسابقات القارية، بعد أن تنقل بين عدة أندية مدربا، واصفا مسيرته في عالم التدريب ب "الصعبة"، فأحلامه الصغيرة التي ظل يطاردها على أديم رمال الملعب البلدي بازويرات تبخرت كلها، لما وصلتهم الأوامر بإيقاف مباريات كأس العمدة إبان موجة كورونا الأولى مما أثر عليه نفسيا و زاد من قلقه على مستقبله الرياضي في بلد يُعد ضعف الإعلام فيه من أبرز المشاكل التي يعاني منها الرياضيون..

مع بداية الألفية الجديدة بدأت عدوى المستديرة تنتشر في موريتانيا وخصوصا في أحياء الصفيح، لتنتقل العدوى بعد ذلك إلى أماكن تبعد مئات الكيلومترات عن العاصمة نواكشوط، ومع تأهل منتخب المرابطون لكأس أمم إفريقيا بدأ إيمان الجيل الجديد بكرة القدم وقدرتها على صنع الفرق اقتصاديا -ككل المجالات الأخرى- يزداد، وهي التي كانت طائفة كبيرة من الموريتانيين بالأمس القريب تعتبرها مجرد "لعبة"، ولما توالت الأخبار بانتقال لاعبين موريتانيين إلى دوريات محترمة بدأت حمى الاهتمام بكرة القدم تزداد رويدا رويدا.

يقول المدرب عثمان: رغم أن الرياضة في موريتانيا ما تزال تعاني الكثير من النواقص على مستوى التأطير والتنظيم، وغياب المنشآت الرياضية التي تحتضن الفئات العمرية الصغيرة، إلا أنني أستبشر خيرا باحتراف لاعبين موريتانيين في دوريات أروبية ممتازة، وأتمنى أن يلتحق المدربون في القادم بفوج المحترفين. ويضيف: أنا مثلا دربت الكثير من هؤلاء اللاعبين الذين حققوا شهرة واسعة وتمكنوا من الاحتراف إلا أنني لازلت أراوح مكاني كمدرب بسيط يعمل من أجل الشغف وبالكاد يغطي ما أتقاضاه من التدريب حاجياتي اليومية، ما لا يعرفه الكثير من محبي كرة القدم هو أن شهرتك في عالم الرياضة لن تستفيد منها في بلد يعزف رجال أعماله عن الاستثمار فيها، فرجال أعمال موريتانيا لا يستثمرون غالبا إلا في المشاريع ذات الصلة بالمواد الغذائية وما شابه ذلك.

وحسب شهادة بعض المختصين، تعتبر ظروف المدرب في موريتانيا أسوء من ظروف اللاعب، حيث يشترط الكثير من الأندية حصول المدرب على شهادات رياضية إلى جانب الخبرة، في حين أن غالبية المدربين يمارسون التدريب كشغف ويقبلون بأي تعويض مادي مقابل هذه الخدمة، ناهيك عن غياب المعاهد الرياضية المخصصة لهذا الشأن، أما اللاعب فيكفيه أن يتألق ويتميز بالمواصفات اللازمة للمركز الذي يلعب فيه..

محمودي الملقب "دي بروين" من أبرز لاعبي الشمال يقول: كانت شاشة التلفزيون هي بدايتي مع كرة القدم، حين كنا نشاهد الدور الألماني بالمجان على إحدى القنوات العربية، بعد ذلك واجهت الكثير من الصعوبات حين توقفت عن الذهاب إلى المدرسة وظن أهلي أنني فعلت ذلك من أجل كرة القدم التي لا يرون فيها مستقبلا جيدا، فحاولوا في البداية أن يشغلونني عن اللعب مع الأطفال في ملعب لكنني صمّمت على الحلم حتى انتقلت إلى دوري الدرجة الثانية ثم الأولى الموريتاني، حينها بدأ الحلم ينمو، لكنه كاد أن يتلاشى لمّا توقف الدوري والكأس بسبب جائحة كورونا. ويضيف: بالتأكيد كانت الأضرار جسيمة إذ بحث الكثير من اللاعبين عن أعمال مؤقتة يمارسونها بعد توقف رواتبهم، فجُلُّ الأندية الموريتانية غير منتظمة ولا تتمتع بإدارات تسييرية جادة، ويمكننا أن نقول أنه قبل السياسة الرياضية الجديدة لاتحادية كرة القدم كانت الرياضية في موريتانيا عبارة عن فوضى متراكمة بسبب العشوائية وانعدام الخبرة.

يرى بعض الخبراء أن تأثيرات جائحة كورونا كانت طفيفة على النوادي الرياضية، إذ أنها لم تكن تحقق تلك الأرباح "المهمة"، لا من المؤسسات التجارية ولا من عائدات حضور الجماهير للمباريات، إضافة إلى تواضع عائدات البث التلفزيوني إن لم نقل انعدامها، ويعتبرون أن الأضرار ربما كانت أكبر على المستوى النفسي بسبب توقف الدوري الذي يمثل بوابة للاحتراف والمشاركة في دوري أبطال إفريقيا..

يقويرى المحلل الرياضي سيديا ولد أحمد :  أن جميع الأندية الرياضية بمستوياتها كافة تأثرت بشدة من تداعيات فيروس كورونا، بسبب كثرة التوقفات وفوضوية الرزنامة للموسم ما زاد من الأعباء المالية على الأندية، محليا كانت بعض الاندية تدفع الرواتب خلال الموسم الكروي 8 أشهر وامتد الموسم نتيجة الفيروس أشهرا إضافية نظرا للتوقفات ما تسبب قي عجز عدد من الفرق عن دفع رواتب اللاعبين في فترة التوقف أثناء الجائحة.

وضيف ولد أحمد أن الجائحة عصفت بإدارات الأندية رغم محاولة الاتحادية الوطنية التقليل منها من خلال تقديم مساعدات مالية للاعبين والاندية للتخفيف من أعباء الجائحة. ويضيف: أما بخصوص الجاهزية الفنية والنفسية للاعبين فقد كانت موريتانيا من أكثر البلدان الافريقية تأثرا بالجائحة فقد فسخ عدد من الاندية الأوربية والعربية عقودهم مع عدد من اللاعبين الدوليين الموريتانيين نتيجة لظروفها المالية الصعبة خلال الجائحة، وهو ما سبب مصاعب كبيرة جدا للمنتخب الوطني في مشواره في التصفيات الافريقية المؤهلة لكأس أمم افريقيا "كوديفوار"، إضافة إلى أن بطل موريتانيا نادي انواذيبو ودّع دوري الأبطال بعدما ضرب الفايروس لاعبيه قبل مباراة العودة أمام فريق "أشانتي" الغاني.

 

محمد مسعود

 

تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .